سورة القمر - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{اقتربت الساعة وانشق القمر} روي أن الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر. وقيل معناه سينشق يوم القيامة ويؤيد الأول أنه قرئ: {وقد انشق القمر} أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها انشقاق القمر، وقوله: {وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ} عن تأملها والإِيمان بها. {وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} مطرد وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخر مترادفة ومعجزات متتابعة حتى قالوا ذلك، أو محكم من المرة يقال أمررته فاستمر إذا أحكمته فاستحكم، أو مستبشع من استمر الشيء إذا اشتدت مرارته أو مار ذاهب لا يبقى.
{وَكَذَّبُواْ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} وهو ما زين لهم الشيطان من رد الحق بعد ظهوره، وذكرهما بلفظ الماضي للإِشعار بأنهما من عادتهم القديمة. {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} منته إلى غاية من خذلان أو نصر في الدنيا وشقاؤه، أو سعادة في الآخرة فإن الشيء إذا انتهى إلى غايته ثبت واستقر، وقرئ بالفتح أي ذو مستقر بمعنى استقرار وبالكسر والجر على أنه صفة أمر، وكل معطوف على الساعة.
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ} في القرآن {مّنَ الأنباء} أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة. {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} ازدجار من تعذيب أو وعيد، وتاء الافتعال تقلب دالاً مع الذال والدال والزاي للتناسب، وقرئ: {مزجر} بقلبها زايا وإدغامها.
{حِكْمَةٌ بالغة} غايتها لا خلل فيها وهي بدل من ما أو خبر لمحذوف، وقرئ بالنصب حالاً من ما فإنها موصولة أو مخصوصة بالصفة نصب الحال عنها. {فَمَا تُغْنِى النذر} نفي أو استفهام إنكار، أي فأي غناء تغني النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر، أو المنذر منه أو مصدر بمعنى الإِنذار.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} لعلمك بأن الإِنذار لا يغني فيهم. {يَوْمَ يَدْعُ الداع} إسرافيل، ويجوز أن يكون الدعاء فيه كالأمر في قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} وإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة للتخفيف وانتصاب {يَوْمٍ} ب {يُخْرِجُونَ} أو بإضمار اذكر. {إلى شَئ نُّكُرٍ} فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول يوم القيامة، وقرأ ابن كثير بالتخفيف، وقرئ: {نكراً} بمعنى أنكر.
{خُشَّعاً أبصارهم يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} أي يخرجون من قبورهم خاشعاً ذليلاً أبصارهم من الهول، وإفراده وتذكيره لأن فاعله ظاهر غير حقيقي التأنيث، وقرئ: {خاشعة} على الأصل، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم {خُشَّعاً}، وإنما حسن ذلك ولم يحسن مررت برجال قائمين غلمانهم لأنه ليس على صيغة تشبه الفعل، وقرئ: {خشع أبصارهم} على الابتداء والخبر فتكون الجملة حالاً. {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} في الكثرة والتموج والانتشار في الأمكنة.
{مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} مسرعين مادي أعناقهم إليه، أو ناظرين إليه. {يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} صعب.
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} قبل قومك. {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحاً عليه السلام وهو تفصيل بعد إجمال، وقيل معناه كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب، أو كذبوه بعدما كذبوا الرسل. {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ} هو مجنون. {وازدجر} وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية، وقيل إنه من جملة قيلهم أي هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنّى} بأني وقرئ بالكسر على إرادة القول. {مَغْلُوبٌ} غَلبني قومي. {فانتصر} فانتقم لي منهم وذلك بعد يأسه منهم. فقد روي أن الواحد منهم كان يلقاه فيخنقه حتى يخر مغشياً عليه فيفيق ويقول: «اللَّهُم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون».


{فَفَتَحْنَا أبواب السماء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} منصب، وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصابها، وقرأ ابن عامر ويعقوب ففتحنا بالتشديد لكثرة الأبواب.
{وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً} وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون متفجرة، وأصله وفجرنا عيون الأرض فغير للمبالغة. {فَالْتَقَى الماء} ماء السماء وماء الأرض، وقرئ: {الماءان} لاختلاف النوعين {الماوان} بقلب الهزة واواً. {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} على حال قدرها الله تعالى في الأزل من غير تفاوت، أو على حال قدرت وسويت وهو أن قدر ما أنزل على قدر ما أخرج، أو على أمر قدره الله تعالى وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.
{وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ ألواح} ذات أخشاب عريضة. {وَدُسُرٍ} ومسامير جمع دسار من الدسر، وهو الدفع الشديد وهي صفة للسفينة أقيمت مقامها من حيث أنها كالشرح لها تؤدي مؤداها.
{تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} بمرأى منا أي محفوظة بحفظنا. {جَزَاءً لّمَن كَانَ كُفِرَ} أي فعلنا ذلك جزاء لنوح لأنه نعمة كفروها، فإن كل نبي نعمة من الله تعالى ورحمة على أمته، ويجوز أن يكون على حذف الجار وإيصال الفعل إلى الضمير، وقرئ: {لِمَنْ كُفِرَ} أي للكافرين.
{وَلَقَدْ تركناها} أي السفينة أو الفعلة. {ءايَةً} يعتبر بها إذ شاع خبرها واشتهر. {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} معتبر، وقرئ: {مذتكر} على الأصل، و{مذكر} بقلب التاء ذالاً والإِدغام فيها.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} استفهام تعظيم ووعيد، والنذر يحتمل المصدر والجمع.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان} سهلناه أو هيأناه من يسر ناقته للسفر إذا رحلها. {لِلذّكْرِ} للادكار والاتعاظ بأن صرفنا فيه أنواع المواعظ والعبر، أو للحفظ بالاختصار وعذوبة اللفظ. {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ.
{كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} وإنذاري أتى لهم بالعذاب قبل نزوله، أو لمن بعدهم في تعذيبهم.
{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} بارداً أو شديد الصوت. {فِى يَوْمِ نَحْسٍ} شؤم. {مُّسْتَمِرٌّ} أي استمر شؤمه، أو استمر عليهم حتى أهلكهم، أو على جميعهم كبيرهم وصغيرهم فلم يبق منهم أحداً، أو اشتد مرارته وكان يوم الاربعاء آخر الشهر.
{تَنزِعُ الناس} تقلعهم، روي أنهم دخلوا في الشعاب والحفر وتمسك بعضهم ببعض فنزعتهم الريح منها وصرعتهم موتى. {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض. وقيل شبهوا بالاعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم، وتذكير {مُّنقَعِرٍ} للحمل على اللفظ، والتأنيث في قوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} للمعنى.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} كرره للتهويل. وقيل الأول لما حاق بهم في الدنيا، والثاني لما يحيق بهم في الآخرة كما قال أيضاً في قصتهم {لنذيقنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر} بالإِنذارات والمواعظ، أو الرسل.


{فَقَالُواْ أَبَشَراً مّنَّا} من جنسنا أو من حملنا لا فضل له علينا، وانتصابه بفعل يفسره وما بعده وقرئ بالرفع على الابتداء والأول أوجه للاستفهام. {واحدا} منفرداً لاتبع له أو من آحادهم دون أشرافهم. {نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِى ضلال وَسُعُرٍ} جمع سعير كأنه عكسوا عليه فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على ترك اتباعهم له، وقيل السعر الجنون ومنه ناقة مسعورة.
{ءَأُلْقِي الذكر} الكتاب أو الوحي. {عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} وفينا من هو أحق منه بذلك. {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} حمله بطره على الترفع علينا بادعائه إياه.
{سَيَعْلَمُونَ غَداً} عند نزول العذاب بهم أو يوم القيامة. {مَّنِ الكذاب الأشر} الذي حمله أشره على الاستكبار عن الحق وطلب الباطل أصالح عليه السلام أم من كذبه؟ وقرأ ابن عامر وحمزة ورويس ستعلمون على الالتفات أو حكاية ما أجابهم به صالح، وقرئ: {الأشر} كقولهم: حذر في حذر و{الأشر} أي الأبلغ في الشرارة وهو أصل مرفوض كالأخير.
{إِنَّا مُرْسِلُواْ الناقة} مخرجوها وباعثوها. {فِتْنَةً لَّهُمْ} امتحاناً لهم. {فارتقبهم} فانتظرهم وتبصر ما يصنعون. {واصطبر} على أذاهم.
{وَنَبّئْهُمْ أَنَّ الماء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} مقسوم لها يوم ولهم يوم، و{بَيْنَهُمْ} لتغليب العقلاء. {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} يحضره صاحبه في نوبته أو يحضره عنه غيره. {فَنَادَوْاْ صاحبهم} قدار بن سالف أحيمر ثمود {فتعاطى فَعَقَرَ} فاجترأ على تعاطي قتلها فقتلها أو فتعاطى السيف فقتلها والتعاطي تناول الشيء بتكلف.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحدة} صيحة جبريل عليه السلام. {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} كالشجر اليابس المتكسر الذي يتخذه من يعمل الحظيرة لأجلها أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء، وقرئ بفتح الظاء أي كهشيم الحظيرة أو الشجر المتخذ لها.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرءان لِلذّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُذَكّرٌ}. {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بالنذر}. {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حاصبا} ريحاً تحصبهم بالحجارة أي ترميهم. {إِلاَّ آلَ لُوطٍ نجيناهم بِسَحَرٍ} في سحر وهو آخر الليل أو مسحرين.
{نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا} إنعاماً منا وهو علة لنجينا. {كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ} نعمتنا بالإِيمان والطاعة.

1 | 2